Bashir as president.
تفاصيل الحرب الخفية خارجيا بين الحكومة و الجبهة الثورية
هل تواجه الجبهة الثورية نوعا من الحصار أم أنها تحاول أن تنقل الصراع إلي مربع جديد أسرع في نتائجه؟
11-09-2013 06:53 AM
زين العابدين صالح عبد الرحمن
إن الجولة التي يقوم بها قادة الجبهة الثورية إلي بعض الدول الأوروبية, لها أسبابها الموضوعية, في ظل تراجع القضية عن الواجهة في مسرح السياسة العالمية, خاصة في ظل بروز قضايا أخري تشغل الدول الأوربية و الولايات المتحدة, إذا كان ذلك يتمثل في المشروع الإيراني النووي بعد وصول قوي الإصلاح للسلطة في إيران, القضية السورية و تصعيدها, و انقسام المجتمع الدولي حول كيفية حلها, و الصراع علي السلطة في دول ثورات الربيع العربي, إضافة إلي أسباب موضوعية مؤثرة بشكل مباشر علي الصراع في السودان, سوف نتعرض لها لاحقا في المقال, هذا ليس بعيدا عن تصريحات الرئيس البشير, التي ذكرها في عدد من خطاباته, إن نهاية العام سوف يكون نهاية للعمل المسلح في السودان, رغم إن الرئيس في خطابه الأخير, دعا إلي الحوار مع الحركة الشعبية و الحركات المسلحة, و هذه الدعوة أيضا تحمل مضامين تخالف ظاهر الدعوة, لأنها مبنية علي نيات قد كشف الرئيس عنها سابقا.
هناك أربعة اتفاقيات أمنية قد وقعتها حكومة السودان سريا مع أربعة دول للجوار السوداني, الهدف منها هو محاصرة العمل المسلح في السودان, و هذه الاتفاقيات رغم أنها اتفاقيات سرية, إلا أن معلوماتها خرجت بصور شتي إلي السطح, و هي تعتبر العمود الفقري الذي بنت سلطة الإنقاذ عليه إستراتيجيتها الأمنية في القضاء علي العمل المسلح, خاصة بعد ما شعرت قيادات الإنقاذ أنها فقدت أية دعم جماهيري, حتى القاعدة الإسلامية التي تشكل أداة دعمها أصبحت هي نفسها منقسمة, و لا تقوي علي التحديات المطروحة, هذا هو الذي دفعها إلي التفكير الإستراتيجي العسكري و التفاهم مع أربع دول مجاورة للسودان.
الاتفاق الأول – اتفاق مع دولة جنوب السودان, و تعهدت حكومة السودان أن توقف أية دعم عسكري و لوجستي إلي المتمردين في دولة جنوب السودان, بل أنها تعهدت أن تقنع حلفائها في دولة جنوب السودان, أن يقفوا مع التغييرات التي يجريها الرئيس سلفاكير, و أقنعت الدكتور لآلم أكول أن يغادر إلي جوبا, و يعاضد الرئيس كير, كما تعهدت أنها سوف تقبض علي أية متمرد يحارب حكومة الجنوب و تسلمه إلي جوبا. في المقابل أن توقف حكومة الجنوب أية دعم لمقاتلي الحركة الشعبية, و لا تسمح لهم استخدام أية ممرات أمنة لقواتهم, و تضغط القيادات حتى تنصاع للحل السياسي الذي تدعوا إليه الحكومة, هذا ما دع الرئيس البشير إن يشير إليه في خطابه في فتتاح الدور الثامنة للبرلمان.
الاتفاق الثاني – اتفقت الحكومة السودانية مع الحكومة الإثيوبية, أن يساعد جهاز الأمن و المخابرات السوداني علي كبح حركة الأرومو المتمردة علي السلطة, بل تصفية قيادتها إذا استدع الأمر ذلك, إلي جانب وقوف الخرطوم مع الحكومة الإثيوبية في قضية بناء سد الألفية, و الذي تعارضه مصر, بل ذهبت أبعد من ذلك, في أن تنسق الخرطوم و أديس أبابا في كل ما يخص مياه النيل, و تغاضي الخرطوم عن بعض أراضي المنخفضات السودانية التي يسيطر عليها مزارعين أثيوبيين, علي أن تساعد الحكومة الإثيوبية السلطة السودانية في القضاء علي مقاتلي الحركة الشعبية في النيل الأزرق, و القبض علي القيادة و تسليمهم للحكومة السودانية, و إغلاق كل الممرات, و منعهم للوصول إلي النازحين, إضافة إلي تجميد أية حسابات للحركة في البنوك الإثيوبية.
الاتفاق الثالث – مع دولة تشاد و هو اتفاق يهدف إلي التضييق علي حركة الحركات المسلحة في دارفور, علي أن تساعد المخابرات التشادية نظيرتها السودانية, و تقديم كل المعلومات التي تساعد علي القضاء و محاصرة الحركات, و إقناع المقاتلين من قبيلة الزغاوة إن ينضموا إلي سلام الدوحة. و إذا أستدع الأمر تدخل الجيش التشادي للحرب مع نظيره السوداني ضد الحركات المسلحة.
الاتفاق الرابع – مع دولة أفريقيا الأوسطي إن لا تسمح للمقاتلين من الحركات المسلحة ضد الحكومة السودانية من استخدام أراضي دولة أفريقيا الأوسطي, كما أصبح هناك وجود كبير لعناصر من جهاز الأمن و المخابرات السوداني في أراضي تلك الدولة, مهمته الأساسية مراقبة حركة المقاتلين للحركات المسلحة, كما يمكن استخدام أرض دولة أفريقيا الأوسطي في أية هجوم خلف الحركات.
إن بناء أية خطة إستراتيجية أمنية لأية دولة, تمليها عوامل أساسية تساعد علي نجاح الإستراتيجية, و تعمل علي فرضها كواقع من جانب, و تضعف الجانب المناوئ, و تشل قدراته من جانب أخر, و من خلال التغييرات التي بدأت تظهر علي المسرح الإقليمي و الدولي, بدأ خبراء الإستراتيجية الأمنية السودانية بناء خطتهم الإستراتيجية, مستعينين ببعض الخبراء و الخبرات الخارجية, في بناء هذه الإستراتيجية, و العوامل التي بنيت عليها الإستراتيجية هي الأتي:-
أ – التغيير السياسي الذي حدث في دولة جنوب السودان, حيث خرجت كل القيادات السياسية التي كانت ذات قناعة بدعم الحركة الشعبية قطاع الشمال و الحركات المسلحة, باعتبار أنهم يمثلون الهامش, و يجب دعم هذه القوة حسب قناعة القائد التاريخي للحركة " الدكتور جون قرنق", إلي جانب إن أولئك كانوا يفتحون أبواب العلاقات الخارجية لقيادات الحركة شمال كل تلك كانت لها أثر سلبي.
ب - الحراك المضاد من المعارضة, في دولة جنوب السودان الذي يلاقيه الرئيس سلفاكير, نتيجة لسياساته الجديدة, هذا الحراك كان يحتاج إلي قوي سياسية قوية تسانده, أو تؤدي إلي تحسين الوضع الاقتصادي, حتى يشعر المواطن في دولة جنوب السودان إن هناك تحسين في مستوي المعيشة يجعله يقف مع الرئيس ضد أية قوة تاريخية أخري, هذا الإجراء وفرته حكومة الإنقاذ عندما وافقت بمرور نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية, لكي تساعد سلفاكير في مواجهة التحديات الداخلية, و تضمن مساندته في تنفيذ إستراتيجيتها الأمنية.
ج – حاجة الحكومة الإثيوبية الماسة للحكومة السودانية, لمساعدتها في الشروع لتنفيذ سد الألفية, الذي تعترض علي بنائه مصر, كما إن التحولات السياسية بعد موت رئيس الوزراء ملس زناوي, تحتاج إلي تهدئة النزاعات الداخلية في أثيوبيا, خاصة إن رئيس الوزراء الإثيوبي لا يجد الشعبية التي كان يجدها رئيس الوزراء السابق, ثم تصعيد حركة الأرومو عملياتها, و في نفس الوقت بدأت بعض المؤتمرات للمعارضة الإثيوبية تنشط في الخارج.
د – إن التغييرات التي حدثت في الإدارة الأمريكية, و خاصة في إبعاد المندوبة السابقة سوزان رايس, أثر في أولويات السياسية الأمريكية, و تراجعت قضايا السودان بعض الشيء, الأمر الذي خفف الضغط علي الحكومة السودانية.
ه – انشغال العالم بصراعات إستراتيجية, أيضا أمنية تتعلق بدول عظمي, تتمثل في النزاع السوري, المشروع الإيراني, الوضع السياسي في كل من مصر و تونس, الصراع ضد تنظيم الأخوان المسلمين في المنطقة, و بما إن الحكومات السودانية و خاصة الإنقاذ قد أقعدت بالسياسة الخارجية السودانية, أصبحت القضايا السودانية من قضايا الهامش, و لا نعفي المعارضة التي انشغلت بخلافاتها الذاتية و أهملت العمل الدبلوماسي, و أيضا أخفاق الجبهة الثورية في ديناميكية الحركة, حيث أصبحت معزولة في الأراضي التي تسيطر عليها, و عمليات مسلحة لا تعرف الجماهير عنها شيء, بسبب القصور الإعلامي.
و – خلافات المعارضة السودانية, و عجزها للوصول إلي مشروع سياسي يقنع الجماهير لكي تلتف حوله, إلي جانب هناك بون شاسع بين قيادات المعارضة و القطاعات الجماهيرية, إضافة إلي ضعف أدوات المعارضة, و استكانتها للقيود المفروضة عليها من قبل السلطة, فشلها في ابتكار أدوات و وسائل جديد للصراع, كل ذلك أثر سلبا علي العمل المعارض و كان في صالح السلطة الحاكمة.
ز – إن خلافات المعارضة, و عدم التنسيق بين المعارضة الداخلية و الحركات المسلحة, الغموض حول المشروعات السياسية, أدي إلي تعطيل حركة المعارضين الخارجين الذين يقع علي عاتقهم محاصرة النظام السوداني في الخارج, هذا الجانب بدأ يضعف خاصة في دول الجوار بصفة خاصة, و في القارة الأفريقية بصفة عامة, انشغال العالم العربي بالصراع في سوريا و مصر, و كذلك ضعف الضغط من قبل الدول الأوروبية و الولايات المتحدة علي النظام, و هذه نتيجة لخلافات المعارضة و فشلها في الحركة الدائبة.
في الوقت الذي بدأت الجماهير تنفض من جانب النظام, و أصبح يعتمد علي المؤسسات القمعية لوحدها في بقاء النظام, أيضا بدأت المعارضة تزداد ضعفا, و شلت قدراتها في الحركة, و هذه تعود لأسباب كثيرة منها إن القيادات التاريخية قد نضب معينها, و أصبحت تشكل عائقا أساسيا لعملية التغيير, عجز النخب السودانية علي مختلف تياراتها الفكرية في إيجاد البديل الذي يقنع الجماهير أنه يمثل المستقبل, التناقض أيضا لقوي المعارض بين الممارسة التي تعيشها الجماهير, و بين الشعارات المرفوعة حول قضايا الحرية و الديمقراطية, كل ذلك يخدم النظام الحاكم, و يستفيد منه, و يوظفه لخدمة مشروعه السياسي الفاشل.
في ظل هذه التغييرات في المجتمع السوداني, و المحيطين الإقليمي و الدولي, شعرت الجبهة الثورية إن قضيتها بدأت تتراجع عن الواجهة, و تتصدر الأجندة العالمية قضايا تهم الدول العظمي, و لكي لا تقبر هذه القضية كان لابد من الحركة لقيادات الجبهة الثورية في دول لها تأثيرها في السياسية الدولية, و أيضا في المنظمات الدولية المهتمة بقضايا حقوق الإنسان و المساعدات الإنسانية, إلي جانب الالتقاء مع الجاليات السودانية في تلك الدول, و فتح حوارات حول قضايا الحكم, و تصور تلك الجاليات لعملية الحل للنزاع السياسي في السودان.
و رغم إن حركة قيادات الجبهة الثورية في هذا الظرف ضرورية و مهمة, لكن القيادات لا تحمل أية مشروعا سياسيا متفقا عليه من قبل قطاعات واسعة من الشعب السودان, و إن المشروع السياسي الذي كان قد وقعته القوي السياسية مع الجبهة الثورية, قد نفضت يدها منه, في تبرير إنه يحتاج إلي حوار لكي يكتمل, كما إن الجبهة الثورية اهتمت بالعمل المسلح دون أن توازيه حركة سياسية واسعة, و قصور إعلامي كبير, جعلها تعجز في أن تستطيع أن توصل رسالتها إلي قطاع واسع من الجماهير, بل هذا القصور و الغياب استطاع النظام أن يوظفه لصالحه, و يرمي الجبهة الثورية بالعنصرية و العنف و التخريب و غيره, في غياب كامل لصوت الجبهة الثورية, و هذا يؤكد أن هناك قصور في التصور العام لقيادات الجبهة الثورية, و رغم إن بعض القيادات تشعر و تعترف بهذا القصور, و لكنها لم تعطيه مساحة مقدر في جندتها, الأمر الذي يجب أن تقف عنده و تراجعه. كما أن الجبهة الثورية كان من المفترض أن تدرس دراسة موضوعية للأدوات التي يستخدمها النظام في تزوير الحقائق, و من ثم مواجهته بعمل أكثر فاعلية, و لكن الجبهة الثورية تعمل عملا عشوائيا في معركتها السياسية, لأنها تعتقد أن البندقية وحدها هي التي تستطيع أن تحقق أهدافها, الأمر الذي جعلها تهمل العمل الأخر الفاعل.
ليس المهم, هو أن يكون للجبهة الثورية مشروعا سياسيا متفق عليه, من قبل كل القوي السياسية المعارضة للنظام, بل المهم أن يكون هناك مشروعا سياسيا للجبهة الثورية معروفا, و توصله لأغلبية الشعب السوداني, و أن يكون مجالا للحوار السياسي بين النخب, و تخلق حوله حوارا في العديد من للقاءات النخب السودانية داخليا و خارجيا, هذا الحراك السياسي هو الذي يخلق الوعي الجماهيري من جانب, و في نفس الوقت يخلق الواقع السياسي للجبهة الثورية وسط القطاعات الجماهيرية و النخبة, و هذا لا يمكن إلا إذا استطاعت الجبهة الثورية أن تعيد النظر في إستراتيجية عملها, و تغيير الكثير من أدواتها لكي تصبح أدوات فاعلة و ذات أثر إيجابي, و بدل أن تكون زياراتها للخارج هي زيارات تمليها الحاجة, أن يكون لها تواجد حقيقي يوصل صوتها ليس في دوائر مغلقة أنما في دوائر مفتوحة متفاعلة تبقي علي القضية علي السطح, و يشكل ضغطا حقيقيا علي النظام, و في نفس الوقت يشجع الجماهير أن تخرج دون أية خوف أو وجل في مواجه القوي القمعية للنظام, لكن الصورة التي تعمل بها الجبهة الثورية لا اعتقد مقنعة حتى لعضويتها المغلقة عليها, و هي قضية تحتاج إلي مزيد من الحوار و النقاش ليس في محيط و عضوية الجبهة الثورية فقط, أنما في حوارات مفتوحة, تستطيع أن الجبهة أن تنفذها لكي تؤدي إلي تغيير الواقع السياسي السوداني, و تخلق مربعات جديدة تعطي نتائج إيجابية, و نسأل الله التوفيق.
ملحوظة
في المقال القادم سوف نتناول ما هي العوامل المساعدة والتي تستطيع أن تساعد الجبهة الثورية في أن تفرض واقعا سياسيا جديدا في ظل التحولات الجارية في السودان في غياب القوي التاريخية السياسية.
Nessun commento:
Posta un commento